الخليج وفيلم "حياة الماعز"- ترميم السمعة بحماية حقوق العمال
المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.27.2025

في الآونة الأخيرة، عُرض فيلم عالمي مشترك الإنتاج بين الهند وأمريكا، يحمل عنوان «حياة الماعز – Aadujeevitham/The Goat Life»، وهو مقتبس من قصة واقعية لعامل هندي، يزعم الفيلم أن كفيله قد قام باحتجازه واستغلاله في رعاية الماشية في الصحراء، في ظل ظروف قاسية وغير إنسانية، مع حرمانه من الأجر وتعريضه للتعذيب. أثار هذا الفيلم موجة من الاستياء والانتقاد في منطقة الخليج. ومع ذلك، فإن مجرد التنديد والاستنكار لا يكفي لتصحيح الصورة السلبية التي ترسخت عن دول الخليج نتيجة لهذا الفيلم.
إن السبيل الأمثل لتصحيح هذه الصورة المشوهة يكمن في الإعلان عن فتح تحقيق شامل في قضية هذا العامل ورفاقه، واستدعاء العامل المعني لحضور جلسات يتم فيها إنصافه وتعويضه بشكل عادل، لإثبات أن الأنظمة والقوانين في دول الخليج تحمي حقوق العمال وتصونها، وأنه في حال انتهاك حقوق أي عامل، فسيتم محاسبة المسؤولين عن ذلك وإنزال العقاب المناسب بهم، بالإضافة إلى جبر الضرر الذي لحق بالعامل.
لا شك أن وسائل الإعلام العالمية ستولي اهتمامًا كبيرًا بهذه القضية نظرًا للشهرة الواسعة التي حققها الفيلم، وسيكون ذلك بمثابة تصحيح فعال للصورة النمطية السلبية التي أوجدها الفيلم. ومن خلال ذلك، لن يتم تعميم الخطأ الفردي الذي تناولته القصة على جميع دول الخليج، بل سيتم التأكيد على أنه مجرد حادثة فردية لا تعكس الواقع، من خلال إبراز وجود قوانين وتشريعات تضمن حقوق العمال وتدافع عنهم.
بالإضافة إلى ذلك، يجب إنتاج برنامج وثائقي موجه خصيصًا للعمال، يشرح لهم حقوقهم وواجباتهم وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها. كما ينبغي تنظيم حملات توعية شاملة لتثقيف العمال بحقوقهم، حيث أن الجهل بهذه الحقوق قد يؤدي إلى وقوعهم ضحايا للاستغلال والانتهاكات.
تجدر الإشارة إلى أن هناك حالات سابقة لمبتعثين تعرضوا للسجن في دول غربية بسبب ممارسات يعتبرونها عادية في التعامل مع العمالة، خاصة المنزلية، بينما تصنف هذه الممارسات قانونيًا ودوليًا على أنها انتهاكات جسيمة لحقوق العمال، مثل مصادرة وثائقهم الثبوتية، وحجزهم، وعدم دفع رواتبهم بحجة جمعها لهم، والمعاملة القاسية.
يجب أن ندرك أن كل عامل هو بمثابة سفير ينقل صورة عن مجتمعه إلى وطنه عند عودته. لذلك، فإن أي إساءة معاملة أو انتهاك لحقوق العمالة يؤدي إلى تشويه صورة البلد في الخارج. والجدير بالذكر أن هذا الفيلم ليس الوحيد الذي يتناول قصة سلبية عن العمالة في الخليج، فهناك العديد من المقاطع المصورة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لعمال في الخليج يستنجدون بأهلهم وذويهم، مما يؤدي إلى إطلاق حملات إعلامية وصحفية تسيء إلى سمعة دول الخليج.
إن الضرر الذي يلحق بسمعة دول الخليج لا يمكن إصلاحه بمجرد التنديد والاستنكار. فهناك العديد من الأفلام الوثائقية الغربية التي عُرضت في مهرجانات حقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك تلك التابعة للأمم المتحدة، والتي أدت إلى ممارسة ضغوط على الشركات التي كانت ترغب في المساهمة في رعاية الأحداث الرياضية في دول خليجية، مما دفع بعضها إلى الانسحاب من رعايتها استجابة لضغوط المنظمات الحقوقية. كما انسحبت مؤسسات إعلامية وصحفية غربية من تغطية الأحداث الرياضية بسبب ضغوط مماثلة نتجت عن إنتاج برامج وثائقية تتناول حالات انتهاك حقوق العمالة.
يتضح مما سبق أن هذه المواد الإعلامية والفنية ليست بلا تأثير على أرض الواقع، بل إنها قد تصل إلى درجة التسبب في خسائر اقتصادية. إن الخطأ الأكبر الذي ترتكبه دول الخليج هو عدم اتخاذها خطوات عملية واستباقية لتصحيح هذه الصورة النمطية السلبية التي تولدت عن قصص بعض الانتهاكات الفردية لحقوق العمالة، والتي انتشرت أخبارها في وسائل الإعلام والصحافة الأجنبية والأعمال الفنية العالمية.
يجب أن تسعى دول الخليج إلى بناء سمعة مماثلة لسمعة أمريكا، باعتبارها أرض الفرص والرفاهية والحقوق والجودة العالية للحياة لجميع قاطنيها، بمن فيهم العمالة الأجنبية القادمة من الدول الفقيرة. فالصورة الذهنية والإعلامية والفنية عن البلد لدى العالم الخارجي تؤثر بشكل كبير على جاذبيتها كوجهة مفضلة للسياحة والاستثمار والكفاءات المتميزة.
نظرًا لأن غالبية دول الخليج لديها خطط طموحة لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع اقتصادها من خلال جذب السياحة والاستثمارات والكفاءات، فإن الصورة الذهنية والإعلامية والفنية عنها تعتبر قضية ذات أهمية قصوى وحساسية بالغة. ولا يكفي مجرد نفي هذه الصورة السلبية في الصحافة المحلية، لأن ذلك لا يصل إلى الجمهور المستهدف، وهو الجمهور العالمي.
